فصل: الميت في البحر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.كراهية الذبح عند القبر:

نهى الشارع عن الذبح عند القبر تجنبا لما كانت تفعله الجاهلية، وبعدا عن التفاخر والمباهاة.
فقد روى أبو داود عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاعقر في الإسلام» قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة.
قال الخطابي: كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد، يقولون: نجازيه على فعله، لأنه كان يعقرها في حياته، فيطعمها الاضياف، فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير: فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته قال الشاعر: عقرت على قبر النجاشي ناقتي ** بأبيض عضب أخلصته صياقله

على قبر من لو أنني مت قبله ** لهانت عليه عند قبري رواحله

ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر في القيامة راكبا، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا، وكان على مذهب من يرى البعث منهم بعد الموت.

.النهي عن الجلوس على القبر والاستناد إليه والمشي عليه:

لا يحل القعود على القبر ولا الاستناد إليه، ولا المشي عليه، لما رواه عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكثا على قبر. فقال: «لا تؤذ صاحب هذا القبر.» أو «لاتؤذه» رواه أحمد بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر» رواه أحمد، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
والقول بالحرمة مذهب ابن حزم، لما ورد فيه من الوعيد، قال: وهو قول جماعة من السلف، منهم أبو هريرة.
ومذهب الجمهور: أن ذلك مكروه.
قال النووي: عبارة الشافعي في الأم، وجمهور الاصحاب في الطرق كلها: أنه يكره الجلوس، وأرادوا به كراهة التنزيه، كما هو المشهور في استعمال الفقهاء، وصرح به كثير منهم، قال: وبه قال جمهور العلماء منهم النخعي والليث وأحمد وداود، قال: ومثله في الكراهة الاتكاء عليه والاستناد إليه.
وذهب ابن عمر من الصحابة وأبو حنيفة ومالك إلى جواز القعود على القبر.
قال في الموطأ: إنما نهى عن القعود على القبور فيما نرى نظن للذاهب يقصد لقضاء حاجة الإنسان من البول أو الغائط.
وذكر في ذلك حديثا ضعيفا وضعف أحمد هذا التأويل وقال: ليس هذا بشئ.
وقال النووي: هذا تأويل ضعيف أو باطل، وأبطله كذلك ابن حزم من عدة وجوه.
وهذا الخلاف في غير الجلوس لقضاء الحاجة، فاما إذا كان الجلوس لها، فقد اتفق الفقهاء على حرمته، كما اتفقوا على جواز المشي على القبور إذا كان هناك ضرورة تدعو إليه، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك.

.النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:

عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبني عليه رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.
ولفظه: «نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها وأن يبني عليها وأن توطأ» وفي لفظ النسائي: «أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه».
والتجصيص معناه الطلاء بالجص، وهو الجير المعروف.
وقد حمل الجمهور النهي على الكراهة، وحمله ابن حزم على التحريم، وقيل: الحكمة في ذلك إن القبر للبلى لا للبقاء، وإن تجصيصه من زينة الدنيا، ولا حاجة للميت إليها.
وذكر بعضهم أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجص أحرق بالنار، ويؤيده ما جاء عن زيد بن أرقم أنه قال لمن أراد أن يبني قبر ابنه ويجصصه: جفوت ولغوت، لا يقربه شيء مسته النار.
ولا بأس بتطيين القبر.
قال الترمذي: وقد رخص بعض أهل العلم - منهم الحسن البصري - في تطيين القبور.
وقال الشافعي: لا بأس به أن يطين القبر.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة وجعل عليه الحصباء رواه أبو بكر النجاد وسكت الحافظ عليه في التلخيص.
وكما كره العلماء تجصيص القبر، كرهوا بناءه بالآجر أو الخشب أو دفن الميت في تابوت إذا لم تكن الأرض رخوة أو ندية، فإن كانت كذلك جاز بناء القبر بالآجر ونحوه وجاز دفن الميت في تابوت من غير كراهة.
فعن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الآجر، ويستحبون القصب ويكرهون الخشب.
وفي الحديث النهي عن الكتابة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها.
قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث: الاسناد صحيح وليس العمل عليه.
فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شيء أخذه الخلف عن السلف.
وتعقبه الذهبي: بأنه محدث ولم يبلغهم النهي.
ومذهب الحنابلة: أن النهي عن الكتابة الكراهة سواء أكانت قرآنا، أم كانت اسم الميت.
ووافقهم الشافعية إلا أنهم قالوا: إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميزه ليعرف.
ويرى المالكية: أن الكتابة إن كانت قرآنا حرمت.
وإن كانت لبيان اسمه أو تاريخ موته فهي مكروهة وقالت الأحناف: إنه يكره تحريما الكتابة على القبر إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره.
وقال ابن حزم: لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك.
وفي الحديث: النهي عن زيادة تراب القبر على ما يخرج منه، وقد بوب على هذه الزيادة البيهقي فقال: باب لا يزاد على القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع.
قال الشوكاني: وظاهره أن المراد بالزيادة عليه، الزيادة على ترابه.
وقيل: المراد بالزيادة عليه أن يقبر على قبر ميت آخر.
ورجح الشافعي المعنى الأول فقال: يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه.
وإنما استحب ذلك لئلا يرتفع القبر ارتفاعا كثيرا قال: فإن زاد فلا بأس.

.دفن أكثر من واحد في قبر:

هدي السلف الذي جرى عليه العمل أن يدفن كل واحد في قبر، فإن دفن أكثر من واحد كره ذلك إلا إذا تعسر إفراد كل ميت بقبر لكثرة الموتى وقلة الدافنين أو ضعفهم.
فإنه في هذه الحالة يجوز دفن أكثر من واحد في قبر واحد.
لما رواه أحمد والترمذي وصححه: أن الانصار جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
فقالوا: يا رسول الله أصابنا جرح وجهد.
فكيف تأمرنا؟ فقال: «احفروا وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر» قالوا: فأيهم نقدم؟ قال: «أكثرهم قرآنا».
وروى عبد الرزاق بسند حسن عن واثلة بن الاسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد،
فيقدم الرجل وتجعل المرأة وراءه.

.الميت في البحر:

قال في المغني: إذا مات في سفينة في البحر، فقال أحمد رحمه الله: ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعا يدفنونه فيه حبسوه يوما أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد فإن لم يجدوا غسل، وكفن، وحنط، ويصلى عليه، ويثقل بشئ ويلقى في الماء.
وهذا قول عطاء والحسن.
قال الحسن: يترك في زنبيل ويلقى في البحر.
وقال الشافعي: يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل، فربما وقع إلى قوم يدفنونه، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا، والأول أولى، لأنه يحصل به الستر المقصود من دفنه، وإلقاؤه بين لوحين تعريض له للتغير والهتك.
وربما بقي على الساحل مهتوكا عريانا وربما وقع إلى قوم من المشركين، فكان ما ذكرناه أولى.

.وضع الجريدة على القبر:

لا يشرع وضع الجريد ولا الزهور فوق القبر، وأما ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: «إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» فقد أجاب عنه الخطابي بقوله: وأما غرسه شق العسيب على القبر، وقوله: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس.
والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه وجه.
وما قاله الخطابي صحيح، وهذا هو الذي فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه وضع جريدا ولا أزهارا على قبر سوى بريدة الاسلمي، فإنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان. رواه البخاري.
ويبعد أن يكون وضع الجريد مشروعا ويخفى على جميع الصحابة ما عدا بريدة.
قال الحافظ في الفتح: وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه، ولم يره خاصا بذينك الرجلين.
قال ابن رشيد: ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما، فلذلك عقبه بقول ابن عمر حين رأى فسطاطا على قبر عبد الرحمن: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله.
وفي كلام ابن عمر ما يشعر بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر، بل التأثير للعمل الصالح.

.المرأة تموت وفي بطنها جنين حي:

إذا ماتت المرأة وفي بطنها جنين حي وجب شق بطنها لاخراج الجنين إذا كانت حياته مرجوة، ويعرف ذلك بواسطة الاطباء الثقات.

.المرأة الكتابية تموت وهي حامل من مسلم تدفن وحدها:

روى البيهقي عن واثلة بن الاسقع: أنه دفن امرأة نصرانية في بطنها ولد مسلم في مقبرة ليست بمقبرة النصارى ولا المسلمين، واختار هذا الإمام أحمد لأنها كافرة لا تدفن في مقبرة المسلمين، فيتأذوا بعذابها، ولافي مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم.